فصل: (فَصْلٌ): (فيمن لَمْ يَجِدْ إلَّا مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(فَصْلٌ): [فيمن لَمْ يَجِدْ إلَّا مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ]:

(وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ) أَوْ مَنْكِبَهُ فَقَطْ، وَأَرَادَ الصَّلَاةَ، سَتَرَهَا لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «مَنْ كَانَ لَهُ ثَوْبَانِ فَلْيَأْتَزِرْ، وَلْيَرْتَدِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ثَوْبَانِ فَلْيَأْتَزِرْ، ثُمَّ لْيُصَلِّ» رَوَاه أَحْمَدُ. وَلِحَدِيثِ جَابِرٍ «إذَا كَانَ الثَّوْبُ وَاسِعًا فَخَالِفْ بَيْنَ طَرَفَيْهِ وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاشْدُدْهُ عَلَى حَقْوِكَ» رَوَاه أَبُو دَاوُد. وَلِأَنَّ سِتْرَ الْعَوْرَةُ وَاجِبٌ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَفِيهَا أَوْلَى، (أَوْ) لَمْ يَجِدْ إلَّا مَا يَسْتُرُ (فَرْجَيْهِ) سَتَرَهُمَا لِأَنَّهُمَا عَوْرَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَأَفْحَشُ فِي النَّظَرِ، (أَوْ) لَمْ يَجِدْ إلَّا مَا يَسْتُرُ (أَحَدَهُمَا سَتَرَهُ وَالدُّبُرُ أَوْلَى) مِنْ الْقُبُلِ؛ لِأَنَّهُ أَفْحَشُ وَيَنْفَرِجُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، (إلَّا إذَا كَفَتْ) السُّتْرَةُ عَوْرَتَهُ فَقَطْ، أَوْ (مَنْكِبَهُ وَعَجُزَهُ فَقَطْ)، بِأَنْ كَانَتْ إذَا تَرَكَهَا عَلَى كَتِفَيْهِ وَسَدَلَهَا مِنْ وَرَائِهِ تَسْتُرُ عَجُزَهُ دُونَ قُبُلِهِ، (فَيَسْتُرُهُمَا)- أَيْ: الْمَنْكِبَ وَالْعَجُزَ- وُجُوبًا؛ لِأَنَّ سِتْرَ الْمَنْكِبِ لَا بَدَلَ لَهُ، وَصَحَّ الْحَدِيثُ بِالْأَمْرِ بِهِ، فَمُرَاعَاتُهُ أَوْلَى. (وَيُصَلِّي جَالِسًا نَدْبًا) لِسِتْرِ الْعَوْرَةِ الْمُغَلَّظَةِ. (وَيَلْزَمُ) عُرْيَانًا (تَحْصِيلُ سُتْرَةٍ بِثَمَنِ) مِثْلِهَا فِي مَكَانِهَا مَعَ الْقُدْرَةِ (أَوْ) وَجَدَهَا تُؤَجَّرُ وَقَدَرَ عَلَى الْأُجْرَةِ لَزِمَهُ اسْتِئْجَارُهَا (بِأُجْرَةِ مِثْلِهَا) حَيْثُ كَانَتْ فَاضِلَةً عَنْ حَاجَتِهِ، (فَإِنْ زَادَ) ثَمَنُهَا عَنْ قِيمَةِ مِثْلِهَا فِي مَكَانِهَا، (فَكَمَاءِ وُضُوءٍ) إنْ كَانَتْ يَسِيرَةً لَزِمَتْهُ وَإِلَّا فَلَا، (وَيَلْزَمُهُ قَبُولُهَا عَارِيَّةً) إنْ بُذِلَتْ لَهُ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى سَتْرِ عَوْرَتِهِ بِمَا لَا تَكْثُرُ فِيهِ الْمِنَّةُ، (لَا) قَبُولُهَا (هِبَةً) لِعِظَمِ الْمِنَّةِ فِيهِ، (وَلَا) يَلْزَمُهُ (طَلَبُهَا عَارِيَّةً، كَذَا فِي الْمُبْدِعِ )، لِأَنَّ فِيهِ عَارًا عَلَيْهِ (فَإِنْ عَدِمَ) السُّتْرَةَ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا بِبَيْعٍ وَلَا إجَارَةٍ، وَلَمْ تُبْذَلْ لَهُ عَارِيَّةً (صَلَّى جَالِسًا نَدْبًا: يُومِئُ) بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ إيمَاءً، (نَدْبًا) فِي الْجُلُوسِ وَالْإِيمَاءِ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ قَوْمًا انْكَسَرَ بِهِمْ مَرْكَبُهُمْ فَخَرَجُوا عُرَاةً، قَالَ: يُصَلُّونَ جُلُوسًا يُومِئُونَ إيمَاءً بِرُءُوسِهِمْ» وَلَمْ يُنْقَلُ خِلَافُهُ. وَيَجْعَلُ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ، (وَلَا يَتَرَبَّعُ) فِي جُلُوسِهِ (بَلْ ينضام)، نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ وَالْمَيْمُونِيُّ. (فَيُقِيمُ إحْدَى فَخِذَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى)؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ كَشْفًا، (وَإِنْ صَلَّى قَائِمًا لَزِمَهُ أَنْ) يَرْكَعَ ثُمَّ (يَسْجُدَ بِالْأَرْضِ)، لِعُمُومِ قَوْلِهِ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صَلِّ قَائِمًا» وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْجُلُوسَ عَلَى الْقِيَامِ؛ لِأَنَّ الْجُلُوسَ فِيهِ سِتْرُ الْعَوْرَةِ، وَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَ الْقِيَامِ، فَلَوْ صَلَّى قَائِمًا لَسَقَطَ السِّتْرُ إلَى غَيْرِ بَدَلٍ، مَعَ أَنَّ السِّتْرَ آكَدُ مِنْ الْقِيَامِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، وَلَا يَسْقُطُ مَعَ الْقُدْرَةِ بِحَالٍ، وَالْقِيَامُ يَسْقُطُ فِي النَّافِلَةِ، وَلِأَنَّ الْقِيَامَ سَقَطَ عَنْهُمْ لِحِفْظِ الْعَوْرَةِ، وَهِيَ فِي السُّجُودِ أَفْحَشُ، فَكَانَ سُقُوطُهُ أَوْلَى، لَا يُقَالُ: السِّتْرُ كُلُّهُ لَا يَحْصُلُ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بَعْضُهُ، فَلَا يَفِي ذَلِكَ بِتَرْكِ ثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ: الْقِيَامُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ؛ لِأَنَّ الْعَوْرَةَ إنْ كَانَتْ الْفَرْجَيْنِ فَقَدْ حَصَلَ سَتْرُهُمَا، وَإِلَّا حَصَلَ سِتْرُ أَغْلَظِهِمَا وَأَفْحَشِهِمَا، (خِلَافًا لَهُ)- أَيْ: لِلْإِقْنَاعِ- فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ صَلَّى قَائِمًا أَوْ جَالِسًا، وَرَكَعَ وَسَجَدَ بِالْأَرْضِ جَازَ، مَعَ أَنَّهُ قَدَّمَ كَالْمُصَنَّفِ أَنَّهُ إذَا صَلَّى جَالِسًا يُومِئُ إيمَاءً، وَلَعَلَّهُ سَهْوٌ مِنْهُ. (وَلَا يُعِيدُ) الْعُرْيَانُ إذَا قَدَرَ عَلَى السِّتْرِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ سَوَاءٌ صَلَّى قَائِمًا أَوْ جَالِسًا كَفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ، (وَإِنْ وَجَدَهَا)- أَيْ: السُّتْرَةَ- (مُصَلٍّ) عُرْيَانًا (قَرِيبَةً) مِنْهُ (عُرْفًا)، أَيْ: بِحَيْثُ تُعَدُّ فِي الْعُرْفِ قَرِيبَةً، (سَتَرَ) بِهَا مَا وَجَبَ عَلَيْهِ سِتْرُهُ، (وَبَنَى) عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاةٍ قِيَاسًا عَلَى فِعْلِ أَهْلِ قُبَاءٍ لَمَّا عَلِمُوا تَحْوِيلَ الْقِبْلَةِ اسْتَدَارُوا إلَيْهَا وَأَتَمُّوا صَلَاتَهُمْ. (وَإِلَّا): بِأَنْ كَانَتْ بَعِيدَةً لَا يُمْكِنُهُ السِّتْرُ بِهَا إلَّا بِعَمَلٍ كَثِيرٍ وَزَمَنٍ طَوِيلٍ، سَتَرَ (وَابْتَدَأَ) صَلَاتَهَا لِبُطْلَانِهَا. (وَكَذَا مَنْ عَتَقَتْ فِيهَا)- أَيْ: الصَّلَاةِ- (وَاحْتَاجَتْ إلَيْهَا)- أَيْ: السُّتْرَةِ- بِأَنْ لَمْ تَكُنْ مُسْتَتِرَةً كَحُرَّةٍ، فَإِنْ كَانَ الْخِمَارُ قَرِيبًا تَخَمَّرَتْ وَبَنَتْ، وَإِلَّا تَخَمَّرَتْ وَابْتَدَأَتْ، وَكَذَا إنْ أَطَارَتْ الرِّيحُ ثَوْبَهُ فِيهَا. (فَلَوْ جَهِلَتْ عِتْقَهَا، أَوْ) جَهِلَتْ (وُجُوبَ سِتْرٍ أَوْ) جَهِلَتْ (قُدْرَةً عَلَيْهِ)- أَيْ: السِّتْرِ- (أَعَادَتْ) صَلَاتَهَا مَعَ كَشْفِ مَا يَجِبُ سِتْرُهُ وَقُدْرَتُهَا عَلَيْهِ (وَتُصَلِّي الْعُرَاةَ جَمَاعَةً صَفًّا وَاحِدًا، وَإِمَامُهُمْ وَسَطًا)، أَيْ: لَا يَتَقَدَّمُهُمْ (وُجُوبًا فِيهِنَّ)، أَيْ: فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ. وَكَوْنُهُمْ صَفًّا وَاحِدًا، وَكَوْنُ إمَامِهِمْ وَسَطًا لِوُجُوبِ الْجَمَاعَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ أَشْبَهُوا الْمُسْتَتِرِينَ وَكَحَالِ الْخَوْفِ، وَأَوْلَى وَلَا تَسْقُطُ الْجَمَاعَةُ بِفَوْتِ سُنَّةِ الْمَوْقِفِ، وَلِأَنَّهُمْ لَوْ صَلَّوْا صُفُوفًا لَنَظَرَ الْمُتَأَخِّرُ عَوْرَةَ الْمُتَقَدِّمِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّ وُقُوفَ الْإِمَامِ وَسَطَهُمْ أَسْتَرُ مِنْ تَقَدُّمِهِ عَلَيْهِمْ، (فَإِنْ تَقَدَّمَهُمْ) الْإِمَامُ (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُمْ، (إلَّا) أَنْ يَكُونُوا (فِي ظُلْمَةٍ)، فَيَجُوزُ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَيْهِمْ لِلْأَمْنِ مِنْ رُؤْيَتِهِمْ عَوْرَتَهُ (وَيَتَّجِهُ: أَوْ) إلَّا أَنْ يَكُونُوا (عُمْيًا)، فَيَجُوزُ كَذَلِكَ تَقَدُّمُهُ عَلَيْهِمْ، وَجَعْلُهُمْ صُفُوفًا لِعَدَمِ رُؤْيَةِ بَعْضِهِمْ عَوْرَةَ بَعْضٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَعَ ضِيقِ مَكَان يُصَلُّونَ جَمَاعَتَيْنِ) فَأَكْثَرَ بِحَسَبِ مَا يَسَعُ الْمَكَانُ (وَ) إذَا كَانَ الْمُصَلُّونَ نَوْعَيْنِ (يَتَبَاعَدُ نِسَاءٌ) عُرَاةٌ (عَنْ رِجَالٍ، وَيُصَلِّي كُلُّ نَوْعٍ جَانِبًا) لِئَلَّا يَرَى بَعْضُهُمْ عَوْرَةَ بَعْضٍ، (فَإِنْ شَقَّ) ذَلِكَ لِنَحْوِ ضِيقٍ صَلَّى الْفَاضِلُ، وَهُمْ الرِّجَالُ، (وَاسْتَدْبَرَهُمْ مَفْضُولٌ)، وَهُوَ النِّسَاءُ، (ثُمَّ عُكِسَ)، يَعْنِي: يُصَلِّي النِّسَاءُ وَيَسْتَدْبِرهُنَّ الرِّجَالُ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ إنْ وَقَفْنَ مَعَ الرِّجَالِ صَفًّا أَخْطَأْنَ سُنَّةَ الْمَوْقِفِ، وَإِنْ صَلَّيْنَ خَلْفَهُمْ شَاهَدْنَ عَوْرَاتِهِمْ، وَرُبَّمَا اُفْتُتِنَّ بِهِمْ. (وَيَتَّجِهُ) اعْتِبَارُ مَا ذُكِرَ مِنْ الِاسْتِقْبَالِ وَالِاسْتِدْبَارِ: (إنْ لَمْ يَضِقْ وَقْتُ) الصَّلَاةِ عَنْ فِعْلِهَا كُلِّهَا فِيهِ، فَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ صَلَّوْا عَلَى حَسَبِ الْإِمْكَانِ مَعَ التَّحَرِّي عَلَى عَدَمِ رُؤْيَةِ بَعْضِهِمْ عَوْرَةَ بَعْضٍ حَسَبَ الطَّاقَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَمَنْ أَعَارَ) وَنَحْوُهُ (سُتْرَتَهُ) لِمَنْ يُصَلِّي فِيهَا، (وَصَلَّى)- أَيْ: صَاحِبُهَا- عُرْيَانًا، (لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ)، لِتَرْكِهِ السُّتْرَةَ مَعَ الْقُدْرَةِ. (وَيَتَّجِهُ) مَحَلُّ عَدَمِ صَلَاةِ مُعِيرٍ سُتْرَتَهُ (مَعَ قُدْرَةٍ عَلَى اسْتِرْدَادِهَا) مِنْ مُسْتَعِيرٍ، أَمَّا مَعَ عَجْزِهِ فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ عَجْزَهُ عَنْ اسْتِرْدَادِهَا بِمَنْزِلَةِ عَادِمِهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَتُسَنُّ إعَارَتُهَا)- أَيْ: السُّتْرَةِ- لِلصَّلَاةِ (إذَا صَلَّى) رَبُّهَا، لِتَكْمُلَ صَلَاةُ الْمُسْتَعِيرِ، (وَإِنْ صَلُحَ) رَبُّهَا أَنْ يَكُونَ (إمَامًا، صَلَّى بِهِمْ نَدْبًا) تَحْصِيلًا لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ، وَإِنْ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ وَاجِبَةً فِي نَفْسِهَا، لَكِنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَؤُمَّ فِيهَا، بَلْ الْأَفْضَلُ فِي حَقِّهِ فِعْلُهَا تَحْصِيلًا لِثَوَابِهَا. (وَإِنْ كَانَ) مَالِكُ السُّتْرَةِ (أُمِّيًّا) لَا يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ، (صَلَّى فِيهَا)- أَيْ: السُّتْرَةِ- وُجُوبًا؛ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لَهَا، (ثُمَّ بَذَلَهَا لَهُمْ) نَدْبًا (فَصَلَّوْا بِهَا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ)؛ لِقُدْرَتِهِمْ عَلَى الصَّلَاةِ بِشُرُوطِهَا، إلَّا مَعَ ضِيقِ وَقْتٍ عَنْ فِعْلِهَا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، (فَيُصَلِّي بِهَا أَحَدُهُمْ إمَامًا) لِاسْتِتَارِ عَوْرَتِهِ، وَيَكُونُ وُقُوفُهُ (إمَامًا)- أَيْ: مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِمْ كَإِمَامِ الْمَسْتُورِينَ، (وَ) يُصَلِّي (الْبَاقُونَ عُرَاةً) خَشْيَةَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ. (وَيُقْرَعُ إنْ تَشَاحُّوا)، فَيُقَدَّمُ مَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ لِتَرَجُّحِهِ بِهَا، (وَيَتَعَيَّنُ مَنْ عَيَّنَهُ رَبُّهَا) بِالْعَارِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ وَقَدْ خَصَّ بِهِ مَنْ عَيَّنَهُ (فَإِنْ أَعَارَهَا) لِغَيْرِ صَالِحٍ لِلْإِمَامَةِ جَازَ،؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ، (وَحُكْمُهُ)- أَيْ: حُكْمُ مُعَارٍ غَيْرُ صَالِحٍ لِلْإِمَامَةِ- (كَصَاحِبِهَا)- أَيْ: السُّتْرَةِ- لِمِلْكِهِ الِانْتِفَاعَ بِهَا، فَيُصَلِّي وَحْدَهُ، وَيُصَلُّونَ جَمَاعَةً لِأَنْفُسِهِمْ، (فَإِنْ كَانَ ثَمَّ نِسَاءٌ فَهُنَّ أَوْلَى بِهَا) مِنْ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ عَوْرَتَهُنَّ أَفْحَشُ وَسَتْرُهَا أَبْعَدُ مِنْ الْفِتْنَةِ، (فَإِذَا صَلَّيْنَ فِيهَا)- أَيْ: السُّتْرَةِ- (دُفِعَتْ لَهُمْ)، أَيْ: الرِّجَالِ، وَصَلَّوْا فِيهَا إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ، وَإِلَّا صَلَّوْا عُرَاةً، (فَإِنْ كَانَ ثُمَّ)- أَيْ: فِي الْعُرَاةِ- (مَيِّتٌ صَلَّى فِيهَا)، أَيْ: السُّتْرَةِ الْمَبْذُولَةِ لَهُمْ (حَيٌّ) فَرَضَهُ، لَا عَلَى الْمَيِّتِ، (ثُمَّ كَفَّنَ) بِهَا الْمَيِّتِ جَمَعًا بَيْن الْحَقَّيْنِ. (وَحَرُمَ انْتِظَارُ سُتْرَةٍ) لِيُصَلِّيَ فِيهَا (مَعَ ضَيِّق وَقْتٍ) فَيُصَلِّي عُرْيَانًا إذَا خَافَ خُرُوجَهُ. (وَيَتَّجِهُ) إنَّمَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عُرْيَانًا (لِمُسَافِرٍ) خَشِيَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّ الْحَاضِرَ يَلْزَمهُ انْتِظَارُ السُّتْرَةِ، وَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ، وَهَذَا أَحَد وَجْهَيْنِ، قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَهَذَا أَقْيَسُ لَكِنْ قَدَّمَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالشَّارِحُ وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَابْنُ رَزِينٍ، عَدَمَ لُزُومِ انْتِظَارِهَا، قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ والصَّوَاب، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي.

.(فَصْلٌ فِي جُمْلَةٍ مِنْ أَحْكَامِ اللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا):

(كُرِهَ فِي صَلَاةٍ) فَقَطْ (سَدْلٌ وَهُوَ: طَرْحُ ثَوْبٍ عَلَى كَتِفَيْهِ)، أَيْ: الْمُصَلِّي، (وَلَا يَرُدُّ طَرَفَهُ)- أَيْ: الثَّوْبِ- (عَلَى الْكَتِفِ الْأُخْرَى) سَوَاءٌ كَانَ تَحْتَهُ ثَوْبٌ أَوْ لَا، وَالنَّهْيُ فِيهِ صَحِيحٌ عَنْ عَلِيٍّ وَخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ، نَقْلُ مُهَنَّا: لَيْسَ بِصَحِيحٍ لَكِنْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ لَمْ يُضَعِّفْهُ أَحْمَدُ. (فَإِنْ رَدَّ) طَرَفَهُ عَلَى الْكَتِفِ الْأُخْرَى لَمْ يُكْرَهْ، لِزَوَالِ مَعْنَى السَّدْلِ، زَادَ فِي الشَّرْحِ: (أَوْ ضَمِّ طَرَفَيْهِ بِيَدَيْهِ لَمْ يُكْرَهْ)، وَهُوَ رِوَايَةٌ، وَمُقْتَضَى مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِمَعْنَاهُ فِي الْمُنْتَهَى: يُكْرَهُ لِبَقَاءِ مَعْنَى السَّدْلِ (فَإِنْ طَرَحَ عَلَى كَتِفَيْهِ قَبَاءً)- بِفَتْحِ الْقَافِ- (مِنْ غَيْرِ إدْخَالِ كُمَّيْهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَلَيْسَ مِنْ السَّدْلِ الْمَكْرُوهِ، قَالَهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ. (وَكُرِهَ) فِي الصَّلَاةِ (اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ)، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَهَى عَنْ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ» رَوَاه الْبُخَارِيُّ. (وَهُوَ)- أَيْ: اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ- (أَنْ يَضْطَبِعَ بِثَوْبِ) وَاحِدٍ (لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ)، وَالِاضْطِبَاعُ: أَنْ يَجْعَلَ وَسَطَ الرِّدَاءِ تَحْتَ عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ وَطَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ، وَجَاءَ ذَلِكَ مُفَسَّرًا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، مِنْ رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْهُ مَرْفُوعًا «نُهِيَ عَنْ لُبْسَتَيْنِ، وَهُوَ: اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ، وَهُوَ أَنْ يَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى عَاتِقَيْهِ فَيَبْدُو أَحَدُ شِقَّيْهِ لَيْسَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ. وَالِاحْتِبَاءُ: هُوَ أَنْ يَحْتَبِيَ بِهِ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ» وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ آخَرُ لَمْ يُكْرَهْ؛ لِأَنَّهَا لُبْسَةُ الْمُحْرِمِ، وَفَعَلَهَا النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ صَلَاتَهُ صَحِيحَةٌ إلَّا أَنْ تَبْدُوَ عَوْرَتُهُ.
(وَ) يُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ (تَغْطِيَةُ وَجْهٍ)، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «نَهَى أَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ فَاهُ» رَوَاه أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ. فَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى كَرَاهَةِ تَغْطِيَةِ الْوَجْهِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى تَغْطِيَةِ الْفَمِ، وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ لَهَا تَحْلِيلٌ وَتَحْرِيمٌ، فَشُرِعَ لَهَا كَشْفُ الْوَجْهِ كَالْإِحْرَامِ (وَ) كُرِهَ فِيهَا أَيْضًا (تَلَثُّمٌ عَلَى فَمٍ وَأَنْفٍ)، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَلِقَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَلَفُّ كُمٍّ وَتَشْمِيرُهُ)، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،: «وَلَا أَكُفُّ شَعْرًا وَلَا ثَوْبًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَمَحَلُّ كَرَاهَةِ تَغْطِيَةِ وَجْهٍ، وَمَا بَعْدَهُ إنْ كَانَ (بِلَا سَبَبٍ)، قَالَ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ بِتَغْطِيَةِ الْوَجْهِ لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ، وَقِيَاسُهُ كَفُّ الْكُمِّ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ كَانَ السَّدْلُ وَمَا بَعْدَهُ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ لَمْ يُكْرَهْ. (وَكُرِهَ وَلَوْ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ، تَشَبُّهٌ بِكُفَّارٍ، وَحَرَّمَهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَقَالَ الشَّيْخُ: أَقَلُّ أَحْوَالِهِ- أَيْ: هَذَا الْحَدِيثِ- أَنْ يَقْتَضِيَ تَحْرِيمَ التَّشَبُّهِ، وَإِنْ كَانَ يَقْتَضِي ظَاهِرُهُ كُفْرَ الْمُتَشَبِّهِ بِهِمْ، وَقَالَ: وَلَمَّا صَارَتْ الْعِمَامَةُ الصَّفْرَاءُ وَالزَّرْقَاءُ مِنْ شِعَارِهِمْ حَرُمَ لُبْسُهَا.
(وَ) أَيْضًا مُطْلَقًا جَعْلُ صِفَةِ (صَلِيبٍ فِي نَحْوِ ثَوْبٍ) كَعِمَامَةٍ وَخَاتَمٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالنَّصَارَى، وَظَاهِرُ نَقْلِ صَالِحٍ: تَحْرِيمُهُ، وَصَوَّبَهُ فِي الْإِنْصَافِ (وَ) كُرِهَ أَيْضًا مُطْلَقًا (شَدُّ وَسَطٍ)- بِفَتْحِ السِّينِ- (بـِ) شَيْءٍ (مُشْبِهٍ شَدَّ زُنَّارٍ)- بِوَزْنِ تُفَّاحٍ- لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْيَهُودِ، وَقَدْ نَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ التَّشَبُّهِ بِهِمْ، فَقَالَ: «لَا تَشْتَمِلُوا اشْتِمَالَ الْيَهُودِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد. (وَلَا بَأْسَ) بِشَدِّ وَسَطٍ (بِمَا لَا يُشْبِهُ) كَذَلِكَ (لِرَجُلٍ) قَالَ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ بِهِ، أَلَيْسَ قَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ إلَّا وَهُوَ مُحْتَزِمٌ» فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِرَجُلٍ، (بَلْ يُسْتَحَبُّ) لَهُ شَدُّ وَسَطِهِ (بِنَحْوِ مِنْدِيلٍ)، قَالَ أَبُو طَالِبٍ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ الرَّجُلِ يُصَلِّي، وَعَلَيْهِ الْقَمِيصُ يَأْتَزِرُ بِالْمِنْدِيلِ قَالَ: نَعَمْ فَعَلَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ. (وَكُرِهَ لِأُنْثَى) شَدُّ وَسَطٍ (وَلَوْ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ)، هَكَذَا أَطْلَقَهُ فِي التَّنْقِيحُ وَالْمُبْدِعِ وَالْمُنْتَهَى وَتَبِعَهُمْ الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّهُ يُبَيِّنُ بِهِ حَجْمَ عَجِيزَتِهَا، وَتُبَيَّنُ بِهِ عُكَنُهَا وَتَقَاطِيعُ بَدَنِهَا، (خِلَافًا لَهُ)- أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ- حَيْثُ حَمَلَ كَرَاهَتَهُ شَدَّ وَسَطِهَا عَلَى مَا إذَا كَانَتْ فِي الصَّلَاةِ فَقَطْ دُونَ خَارِجِهَا. وَكُرِهَ أَيْضًا (مَشْيٌ بِنَعْلٍ وَاحِدَةٍ) لِقَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يَمْشِ أَحَدُكُمْ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَنَصُّهُ: وَلَوْ يَسِيرًا لِإِصْلَاحِ الْأُخْرَى، لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «إذَا انْقَطَعَ شِسْعُ نَعْلِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَمْشِي فِي الْأُخْرَى حَتَّى يُصْلِحَهَا» رَوَاه أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ وَفِيهِ «وَلَا خُفٍّ وَاحِدٍ»؛ لِأَنَّهُ مِنْ الشُّهْرَةِ (أَوْ) كَوْنِ النَّعْلَيْنِ (مُخْتَلِفَيْنِ)؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ عَادَةِ النَّاسِ. (وَسُنَّ كَوْنُ نَعْلٍ صَفْرَاءَ وَخُفٍّ أَحْمَرَ أَوْ أَسْوَدَ) ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي عَنْ أَصْحَابِنَا، وَسُنَّ تَعَاهُدُ النَّعْلِ عِنْد بَابِ الْمَسْجِدِ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ «فَإِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَقْلِبْ نَعْلَهُ، وَلْيَنْظُرْ فِيهِمَا، فَإِنْ رَأَى خَبَثًا فَلْيَمْسَحْهُ بِالْأَرْضِ، ثُمَّ لِيُصَلِّ فِيهِمَا» رَوَاه أَبُو دَاوُد. وَكَانَ لِنَعْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قِبَالَانِ، بِكَسْرِ الْقَافِ، وَهُوَ: السَّيْرُ بَيْنَ الْوُسْطَى وَاَلَّتِي تَلِيهَا، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَاسْتَحَبَّ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ، الصَّلَاةَ فِي النَّعْلِ الطَّاهِرِ، لِحَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: «سَأَلْتُ أَنَسًا: أَكَانَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُصَلِّي فِي نَعْلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَكُرِهَ لُبْسُ مُعَصْفَرٍ) لِلرَّجُلِ لَا لِلْمَرْأَةِ لِمَا رَوَى عَلِيٌّ قَالَ: «نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ، وَعَنْ لِبَاسِ الْقَسِّيِّ، وَعَنْ الْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَعَنْ لِبَاسِ الْمُعَصْفَرِ» رَوَاه مُسْلِمٌ. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَأَى عَلَيْهِ رَيْطَةً مُضَرَّجَةً بِالْعُصْفُرِ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ؟ قَالَ: فَعَرَفْتُ مَا كَرِهَ، فَأَتَيْتُ أَهْلِي وَهُمْ يَسْجُرُونَ تَنُّورَهُمْ فَقَذَفْتهَا فِيهَا، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: أَلَا كَسَوْتَهَا بَعْضَ أَهْلِك: فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِلنِّسَاءِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَالرَّيْطَةُ: كُلُّ ثَوْبٍ رَقِيقٍ لَيِّنٍ. وَالْمُضَرَّجَةُ: الَّتِي لَيْسَ صَبْغُهَا بِالْمُشْبِعِ (فِي غَيْرِ إحْرَامٍ)، فَلَا يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ لُبْسُ الْمُعَصْفَرِ فِيهِ نَصًّا، وَيُبَاحُ لِلنِّسَاءِ لِتَخْصِيصِ الرَّجُلِ بِالنَّهْيِ.
(وَ) كُرِهَ لِلرَّجُلِ دُونَ الْمَرْأَةِ لُبْسُ (مُزَعْفَرٍ) لِقَوْلِ أَنَسٍ «إنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَ) كُرِهَ لِلرَّجُلِ لُبْسُ (أَحْمَرَ مُصْمَتًا) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَحْمَرَانِ فَسَلَّمَ فَلَمْ يَرُدَّ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد قَالَ أَحْمَدُ: يُقَالُ أَوَّلُ مَنْ لَبِسَهُ آلُ قَارُونَ أَوْ آلُ فِرْعَوْنَ.
وَ(لَا) يُكْرَهُ لُبْسُ (أَسْوَدَ وَلَوْ لِجُنْدٍ)، لِدُخُولِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ.
(وَ) كُرِهَ لِلرَّجُلِ أَيْضًا لُبْسُ (طَيْلَسَانَ، وَهُوَ: الْمُقَوَّرُ) عَلَى شَكْلِ الطَّرْحَةِ يُرْسَلُ مِنْ فَوْقِ الرَّأْسِ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ لُبْسَ رُهْبَانِ الْمَلَكِيِّينَ مِنْ النَّصَارَى، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُرْسَلُ مِنْ وَرَاءِ الظَّهْرِ وَالْجَانِبَيْنِ مِنْ غَيْرِ إدَارَةٍ تَحْتَ الْحَنَكِ، وَلَا إلْقَاءِ طَرَفَيْهِ عَلَى الْكَتِفَيْنِ، أَوْ يُقَوَّرُ مِنْ أَحَدِ طَرَفَيْهِ مَا يَخْرُجُ الرَّأْسُ مِنْهُ، وَيُرْخَى الْبَاقِي خَلْفَهُ وَفَوْقَ مَنْكِبَيْهِ؛ لِأَنَّهُ شِعَارُ الْيَهُودِ. وَأَمَّا الْمُدَوَّرُ الَّذِي يُدَارُ تَحْتَ الْحَنَكِ، وَيُغَطِّي الرَّأْسَ وَأَكْثَرَ الْوَجْهِ، وَيَجْعَلُ طَرَفَيْهِ عَلَى الْكَتِفَيْنِ: فَهَذَا لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ سُنَّةٌ.
(وَ) كُرِهَ أَيْضًا لُبْسُهُ (جِلْدًا مُخْتَلَفًا فِي نَجَاسَتِهِ وَافْتِرَاشِهِ)، مَعَ الْحُكْمِ بِطَهَارَتِهِ، خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، وَمَعَ الْحُكْمِ بِنَجَاسَتِهِ يَحْرُمُ إلَّا مَا نَجِسَ بِمَوْتِهِ وَدُبِغَ، فَيُسْتَعْمَلُ فِي يَابِسٍ كَمَا سَبَقَ.
وَ(لَا) يُكْرَهُ (إلْبَاسُهُ)- أَيْ: الْجِلْدِ الْمُخْتَلِفِ فِي نَجَاسَتِهِ- (دَابَّتَهُ) لِأَنَّ حُرْمَتَهَا لَيْسَ كَحُرْمَةِ الْآدَمِيِّ، وَيَحْرُمُ إلْبَاسُهَا ذَهَبًا وَفِضَّةً وَحَرِيرًا، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ.
(وَ) كُرِهَ (كَوْنُ ثِيَابِهِ)- أَيْ: الرَّجُلِ- (فَوْقَ نِصْفِ سَاقِهِ) نَصًّا، وَلَعَلَّهُ لِئَلَّا تَبْدُوَ عَوْرَتُهُ (أَوْ تَحْتَ كَعْبِهِ بِلَا حَاجَةٍ)، نَصًّا لِلْخَبَرِ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ حَاجَةٌ، كَحُمُوشَةِ سَاقِهِ- أَيْ: دِقَّتِهِ- لَمْ يُكْرَهْ إنْ لَمْ يَقْصِدْ التَّدْلِيسَ عَلَى النِّسَاءِ، فَإِنَّهُ مِنْ الْغِشِّ، وَعَنْهُ: «مَا تَحْتَهُمَا فَهُوَ فِي النَّارِ» وَ(لَا) يُكْرَهُ جَعْلُ ثَوْبِهِ (مَا بَيْنَ ذَلِكَ)، أَيْ: بَيْنَ نِصْفِ السَّاقِ وَفَوْقَ الْكَعْبِ.
(وَ) يُبَاحُ (لِامْرَأَةٍ زِيَادَةُ) ذَيْلِهَا عَلَى ذَيْلِ الرَّجُلِ (إلَى ذِرَاعٍ)، وَلَوْ مِنْ نِسَاءِ الْمُدُنِ لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ: كَيْفَ تَصْنَعُ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ؟ قَالَ: يُرْخِينَ شِبْرًا، قَالَتْ إذَنْ تَنْكَشِفَ أَقْدَامُهُنَّ، قَالَ: فَيُرْخِينَ ذِرَاعًا لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ» رَوَاه أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيِّ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. وَالظَّاهِرُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِذِرَاعِ الْيَدِ، وَهُوَ شِبْرَانِ؛ لِمَا فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ شِبْرًا، ثُمَّ اسْتَزَدْنَهُ فَزَادَهُنَّ شِبْرًا». (وَحَرُمَ)،- وَهُوَ (كَبِيرَةٌ) لِلْوَعِيدِ الْآتِي بَيَانُهُ فِي الْخَبَرِ- (فِي غَيْرِ حَرْبٍ إسْبَالُ) شَيْءٍ مِنْ (ثِيَابِهِ خُيَلَاءَ وَلَوْ عِمَامَةً وَسَرَاوِيلَ)؛ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَأَى بَعْضَ أَصْحَابِهِ يَمْشِي بَيْنَ الصَّفَّيْنِ يَخْتَالُ فِي مِشْيَتِهِ قَالَ: إنَّهَا لَمِشْيَةٌ يَبْغَضُهَا اللَّهُ إلَّا فِي هَذَا الْمَوْطِنِ» وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْخُيَلَاءَ مَذْمُومٌ فِي غَيْرِ الْحَرْبِ لِحَدِيثِ «مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (فَإِنْ أَسْبَلَ) ثَوْبَهُ (لِحَاجَةٍ: كَسِتْرِ) سَاقٍ (قَبِيحٍ، وَلَا خُيَلَاءَ وَلَا تَدْلِيسَ) عَلَى النِّسَاءِ: (أُبِيحَ) قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: جَرُّ الْإِزَارِ وَإِسْبَالُ الرِّدَاءِ فِي الصَّلَاةِ، إذَا لَمْ يُرِدْ الْخُيَلَاءَ فَلَا بَأْسَ، وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يُرِدْ التَّدْلِيسَ، فَإِنْ أَرَادَهُ، (كـَ) امْرَأَةٍ (قَصِيرَةٍ) لَمْ يَرْغَبْ فِيهَا، فَ (اتَّخَذَتْ رِجْلَيْنِ مِنْ خَشَبٍ)، فَلَمْ تُعْرَفْ: حَرُمَ عَلَيْهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْغِشِّ، وَفِي الْخَبَرِ «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا». (وَيَحْسُنُ)- وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: يُسَنُّ- (تَطْوِيلُ كُمِّ) رَجُلٍ (لِرَأْسِ أَصَابِعَ أَوْ أَكْثَرَ قَلِيلًا) لِحَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ، قَالَتْ: «كَانتْ يَدُ كُمِّ قَمِيصِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،، إلَى الرُّسْغِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَان رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَلْبَسُ قَمِيصًا قَصِيرَ الْيَدَيْنِ وَالطُّولِ» رَوَاه ابْنُ مَاجَهْ. (وَتَوْسِيعُهُ) بِاعْتِدَالٍ مِنْ غَيْرِ إفْرَاطٍ، فَلَا تَتَأَذَّى الْيَدُ بِحَرٍّ وَلَا بَرْدٍ، وَلَا يَمْنَعُهَا خِفَّةَ الْحَرَكَةِ وَالْبَطْشِ.
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَأُمًّا هَذِهِ الْأَكْمَامُ الْوَاسِعَةُ الطِّوَالُ الَّتِي هِيَ كَالْأَخْرَاجِ، وَعَمَائِمُ كَالْأَبْرَاجِ، فَلَمْ يَلْبَسْهَا، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِلسُّنَّةِ، وَفِي جَوَازِهَا نَظَرٌ فَإِنَّهَا مِنْ جِنْسِ الْخُيَلَاءِ.
(وَ) يَحْسُنُ (قِصَرُ كُمِّهَا)- أَيْ: الْمَرْأَةِ- قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: دُونَ رُءُوسِ أَصَابِعِهَا، (وَتَوْسِيعُهُ بِلَا إفْرَاطٍ) لِمَا تَقَدَّمَ. (وَكُرِهَ لَهُمَا)- أَيْ: الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ- (لُبْسُ مَا يَصِفُ الْبَشَرَةَ)، أَيْ: مَعَ سَتْرِ الْعَوْرَةِ بِمَا يَكْفِي فِي السَّتْرِ.
(وَ) كُرِهَ (لَهَا)- أَيْ: الْمَرْأَةِ- لُبْسُ (مَا يَصِفُ الْحَجْمَ) لِمَا رُوِيَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: «كَسَانِي رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُبْطِيَّةً كَثِيفَةً كَانَتْ مِمَّا أَهْدَى لَهُ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ، فَكَسَوْتُهَا امْرَأَتِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَالَكَ لَا تَلْبَسُ الْقُبْطِيَّةَ؟ قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَسَوْتُهَا امْرَأَتِي، فَقَالَ: مُرْهَا فَلْتَجْعَلْ تَحْتَهَا غِلَالَةً، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ تَصِفَ حَجْمَ عِظَامِهَا» رَوَاه أَحْمَدُ. (وَيَتَّجِهُ تَحْرِيمُ) لُبْسِ الْمَرْأَةِ (مَا)- أَيْ: ثَوْبًا وَنَحْوَهُ كَمِنْدِيلٍ عَلَى وَجْهِهَا- (يَصِفُ الْبَشَرَةَ)، أَيْ: يَحْكِي هَيْئَتَهَا مِنْ بَيَاضٍ أَوْ سَوَادٍ إذَا كَانَتْ يَرَاهَا أَجْنَبِيٌّ فِي الصَّلَاةِ، وَخَارِجِهَا وَكَانَ (مُفْرَدًا) عَنْ سَاتِرٍ تَحْتَهُ، (كَمَا مَرَّ) أَوَّلَ الْبَابِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَحَرُمَ لُبْسُهُنَّ)- أَيْ: النِّسَاءِ- (عَصَائِبَ كِبَارًا يَتَشَبَّهْنَ) بِلُبْسِهَا (بِرِجَالٍ، بَلْ حَرُمَ تَشَبُّهُ أُنْثَى بِرَجُلٍ، كَعَكْسِهِ)- أَيْ: كَمَا يَحْرُمُ تَشَبُّهُ رَجُلٍ بِامْرَأَةٍ- (فِي لِبَاسٍ وَغَيْرِهِ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا بَعْدُ، نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَّاتٌ، مَائِلَاتٌ مُمِيلَاتٌ، عَلَى رُءُوسِهِنَّ أَمْثَالُ أَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَرَيْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَرِجَالٌ مَعَهُمْ أَسِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ» رَوَاه مُسْلِمٌ. (وَكُرِهَ لِرَجُلٍ لُبْسُ ثِيَابِ الْمَرْأَةِ، وَعَكْسُهُ)- أَيْ: يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ لُبْسُ ثِيَابِ الرَّجُلِ- (نَصًّا)، إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَشَبُّهٌ وَأَمَّا مَعَهُ فَيَحْرُمُ، كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَ) كُرِهَ لِرَجُلٍ لَا امْرَأَةٍ (زِيقٌ عَرِيضٌ)، وَهُوَ: لَبِنَةُ الْجَيْبِ، (وَلُبْسُ زِيِّ الْأَعَاجِمِ كَعِمَامَةٍ صَمَّاءَ وَنَعْلٍ صرارة لِزِينَةٍ) لِلنَّهْيِ عَنْ التَّشَبُّهِ بِهِمْ. (وَلُبْسُ مَا فِيهِ شُهْرَةٌ)، أَيْ: مَا يُشْتَهَرُ بِهِ عِنْدَ النَّاسِ، وَيُشَارُ إلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ لِئَلَّا يَكُونَ ذَلِكَ سَبَبًا إلَى حَمْلِهِمْ عَلَى غِيبَتِهِ، فَيُشَارِكُهُمْ فِي إثْمِ الْغِيبَةِ، (وَيَدْخُلُ فِيهِ)- أَيْ: فِي ثَوْبِ الشُّهْرَةِ- (خِلَافُ) زِيٍّ (مُعْتَادٍ، وَ) خِلَافُ (زِيِّ بَلَدٍ) هُوَ فِيهِ.
(وَ) كُرِهَ أَيْضًا (لُبْسُ ثَوْبٍ مَقْلُوبٍ كَفِعْلِ بَعْضِ أَهْلِ السَّخَافَةِ)، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ الشُّهْرَتَيْنِ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الشهرتان؟ قَالَ: رِقَّةُ الثِّيَابِ وَغِلَظُهَا، وَلِينُهَا وَخُشُونَتُهَا، وَطُولُهَا وَقِصَرُهَا، وَلَكِنْ سَدَادًا بَيْنَ ذَلِكَ وَاقْتِصَادًا» وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: إنَّ قَوْمًا جَعَلُوا خُشُوعَهُمْ فِي لِبَاسِهِمْ، وَشَهَرُوا أَنْفُسَهُمْ بِلِبَاسِ الصُّوفِ، حَتَّى إنَّ أَحَدَهُمْ بِمَا يَلْبَسُ مِنْ الصُّوفِ، أَعْظَمُ كِبْرًا مِنْ صَاحِبِ الْمِطْرَفِ بِمِطْرَفِهِ، قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْمِطْرَفُ: الْمَالُ الْمُسْتَحْدَثُ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْمَالِكِيُّ: كَانَ الْعِلْمُ فِي صُدُورِ الرِّجَالِ فَانْتَقَلَ إلَى جُلُودِ الضَّأْنِ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: قُلْتُ: وَالْآنَ إلَى جُلُودِ السَّمُّورِ. (فَإِنْ قَصَدَ بِهِ)- أَيْ: لُبْسِ ثَوْبِ الشُّهْرَةِ- (إظْهَارَ تَوَاضُعٍ حَرُمَ؛ لِأَنَّهُ رِيَاءٌ) وَ«مَنْ رَاءَى رَاءَى اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ» (قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَنْبَغِي الْخُرُوجُ مِنْ عَادَاتِ النَّاسِ) مُرَاعَاةً لَهُمْ وَتَأْلِيفًا لِقُلُوبِهِمْ، (إلَّا فِي الْحَرَامِ إذَا) جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِفِعْلِهِ، أَوْ عَدَمِ الْمُبَالَاةِ بِهِ، فَتَجِبُ مُخَالَفَتُهُمْ، رَضَوَا بِذَلِكَ أَوْ سَخِطُوا.
تَتِمَّةٌ:
كَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ الْكِلَّةَ بِالْكَسْرِ، وَهِيَ قُبَّةٌ، أَيْ: سِتْرٌ رَقِيقٌ يُخَاطُ شَبَهُ الْبَيْتِ لَهَا بَكَرٌ تُجَرُّ بِهَا، وَقَالَ: هِيَ مِنْ الرِّيَاءِ، لَا تَرُدُّ حَرًّا وَلَا بَرْدًا انْتَهَى.
وَيُشْبِهُهَا البشنخانة، والناموسية لِغَيْرِ حَاجَةٍ، إلَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ حَرِيرٍ، أَوْ مَنْسُوجٍ بِذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ، فَتَحْرُمُ. (وَسُنَّ تَوَاضُعٌ فِي لِبَاسٍ) لِحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا «الْبَذَاذَةُ مِنْ الْإِيمَانِ» قَالَ أَحْمَدُ: هُوَ التَّوَاضُعُ فِي اللِّبَاسِ.
(وَ) سُنَّ (بَيَاضُهُ)- أَيْ: اللِّبَاسِ- لِحَدِيثِ «الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ الْبِيضَ، فَإِنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ» رَوَاه أَبُو دَاوُد (وَ) سُنَّ (نَظَافَةُ نَحْوِ: ثَوْبٍ، وَبَدَنٍ وَمَجْلِسٍ) لِخَبَرِ «إنَّ اللَّهَ نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ».
(وَ) سُنَّ (إرْخَاءُ ذُؤَابَةٍ خَلْفَهُ) نَصًّا، (وَتَحْنِيكُهَا) أَيْ: الْعِمَامَةِ-؛ لِأَنَّ عَمَائِمَ الْمُسْلِمِينَ كَانَتْ كَذَلِكَ عَلَى عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي أَخْلَاقِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «كَان رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَعْتَمُّ يُدِيرُ كَوْرَ الْعِمَامَةِ عَلَى رَأْسِهِ، وَيَغْرِزُهَا مِنْ وَرَائِهِ، وَيُرْخِي لَهَا ذُؤَابَةً بَيْنَ كَتِفَيْهِ». (وَكُرِهَ تَرْكُ وَسَخٍ فِي يَدٍ وَثَوْبٍ) لِمَا تَقَدَّمَ، وَلِخَبَرِ «أَمَا كَانَ يَجِدُ هَذَا مَا يَغْسِلُ بِهِ ثَوْبَهُ؟» (وَ) كُرِهَ (لُبْسُ سَرَاوِيلَ) قَائِمًا خَشْيَةَ انْكِشَافِ الْعَوْرَةِ، (وَ) لُبْسُ (خُفٍّ) قَائِمًا لِمَا قِيلَ: إنَّهُ يُورِثُ الْفَقْرَ، (وَ) لُبْسُ (إزَارٍ قَائِمًا) خَشْيَةَ أَنْ يَبْدُوَ مِنْهُ مَا يَجِبُ سِتْرُهُ.
وَ(لَا) يُكْرَهُ (انْتِعَالٌ) قَائِمًا جَرْيًا عَلَى الْعَادَةِ. (وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ فِرَاءٍ طَاهِرَةٍ) بِأَنْ تَكُونَ مِنْ جِلْدٍ مُذَكَّاةٍ مَأْكُولَةٍ، (وَلَا) بَأْسَ بِلُبْسِ مَا نُسِجَ مِنْ (صُوفٍ وَوَبَرٍ وَشَعْرٍ مِنْ) حَيَوَانٍ (طَاهِرٍ) حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إلَى حِينٍ} (وَ) تُبَاحُ (صَلَاةٌ عَلَيْهَا كَحُصْرٍ وَمَعْمُولٍ مِنْ نَحْوِ قُطْنٍ) كَلِيفٍ، لِمَا رُوِيَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: «كَان رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُصَلِّي عَلَى الْحَصِيرِ وَالْفَرْوَةِ الْمَدْبُوغَةِ» وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: «وَنُضِحَ بِسَاطٌ لَنَا فَصَلَّى عَلَيْهِ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. قَالَ: وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ لَمْ يُرَوْا بِالصَّلَاةِ عَلَى الْبِسَاطِ، وَالطُّنْفُسَةِ بَأْسًا.
تَتِمَّةٌ:
وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِجِلْدِ ثَعْلَبٍ وَسِنَّوْرٍ، وَفَنَكٍ وَفَاقِمٍ، وَسَمُّورٍ وَسِنْجَابٍ، وَذِئْبٍ وَنَمِرٍ وَنَحْوِهَا مِنْ السِّبَاعِ غَيْرِ الْمَأْكُولَةِ، وَلَوْ ذُكِّيَ أَوْ دُبِغَ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالتَّذْكِيَةِ كَلَحْمِهِ. (و) يُبَاحُ لُبْسُ (نَعْلٍ خَشَبٍ) لِحَاجَةٍ، قَالَ أَحْمَدُ. (وَسُنَّ لِمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا قَوْلُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ كَسَانِي هَذَا وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ) لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: «كَان رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذَا اسْتَجَدَّ ثَوْبًا سَمَّاهُ بِاسْمٍ: عِمَامَةً أَوْ قَمِيصًا أَوْ رِدَاءً، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ كَسَوْتَنِيهِ، أَسْأَلُكَ خَيْرَهُ وَخَيْرَ مَا صُنِعَ لَهُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ» رَوَاه التِّرْمِذِيُّ.
(وَ) سُنَّ (تَصَدُّقٌ بِعَتِيقٍ نَافِعٍ) قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَنْصَارِيُّ: يَنْبَغِي لِلْفَقِيهِ أَنْ تَكُونَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءٍ جَدِيدَةٌ: سَرَاوِيلُهُ وَمَدَاسُهُ، وَخِرْقَةٌ يُصَلِّي عَلَيْهِ.

.(فَصْلٌ): [تحريمُ لُبْسِ مَا فِيهِ صُورَةُ حَيَوَانٍ]:

(وَحَرُمَ عَلَى ذَكَرٍ وَأُنْثَى لُبْسُ مَا فِيهِ صُورَةُ حَيَوَانٍ) لِحَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ أَوْ كَلْبٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَتَعْلِيقُهُ) أَيْ: مَا فِيهِ صُورَةٌ. (وَسِتْرٌ جُدِّرَ بِهِ) لِمَا تَقَدَّمَ. (وَتَصْوِيرُهُ، وَلَوْ بِسِتْرٍ، وَسَقْفٍ وَحَائِطٍ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، (وَهُوَ)- أَيْ: تَصْوِيرُ ذِي الرُّوحِ- (كَبِيرَةٌ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ». و(لَا) يَحْرُمُ (افْتِرَاشُهُ، وَجَعْلُهُ)- أَيْ: الْمُصَوَّرِ- (مِخَدًّا) بَلْ يَجُوزُ بِلَا كَرَاهَةٍ «لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّكَأَ عَلَى مِخَدَّةٍ فِيهَا صُورَةٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. (وَكُرِهَ صَلَاةٌ عَلَى مُصَوَّرٍ) وَلَوْ عَلَى مَا يُدَاسُ، (وَسُجُودٌ) عَلَيْهِ (أَشَدُّ) كَرَاهَةً لِحَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ، وَتَقَدَّمَ. (وَلَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَ) لَا (صُورَةٌ) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ.
قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَالْمُرَادُ بِهِ: كَلْبٌ مَنْهِيٌّ عَنْ اقْتِنَائِهِ. (وَلَا) تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ (جَرَسٌ) لِحَدِيثِ: «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ جَرَسٌ» رَوَاه أَبُو دَاوُد. (وَلَا جُنُبٌ)، لِحَدِيثِ «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ وَلَا كَلْبٌ، وَلَا جُنُبٌ».
قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: إسْنَادُهُ حَسَنٌ. (بِلَا وُضُوءٍ)، لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ: «رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ أَنْ يَنَامَ إذَا تَوَضَّأَ». (وَلَا تَصْحَبُ) الْمَلَائِكَةُ (رُفْقَةً فِيهَا جَرَسٌ) أَوْ كَلْبٌ لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لَا تَصْحَبُ الْمَلَائِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا كَلْبٌ أَوْ جَرَسٌ» رَوَاه مُسْلِمٌ.
قَالَ فِي الْآدَابِ: وَلَوْ اجْتَمَعَ فِي الطَّرِيقِ اتِّفَاقًا بِمَنْ مَعَهُ كَلْبٌ أَوْ جَرَسٌ، وَلَمْ يَقْصِدْ رُفْقَتَهُ، فَلَا بَأْسَ. (وَإِنْ أُزِيلَ مِنْ صُورَةِ مَا لَا تَبْقَى مَعَهُ حَيَاةٌ كَرَأْسٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا رَأْسٌ: فَلَا بَأْسَ) بِهِ، أَيْ: فَلَا كَرَاهَةَ فِي الْمَنْصُوصِ. وَلَا بَأْسَ بِلَعِبِ الصَّغِيرَةِ بِلُعَبٍ غَيْرِ مُصَوَّرَةٍ، أَوْ مَقْطُوعٍ رَأْسُهَا، أَوْ مُصَوَّرَةٍ بِلَا رَأْسٍ وَلَا بِشِرَائِهَا نَصًّا لِلتَّمْرِينِ. (وَجَازَ تَصْوِيرُ غَيْرِ حَيَوَانٍ كَشَجَرٍ)، وَكُلِّ مَا لَا رُوحَ فِيهِ، إلَّا الصَّلِيبَ فَيُكْرَهُ تَصْوِيرُهُ فِي لِبَاسٍ، وَدَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ، وَخَوَاتِيمَ وَغَيْرِهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ لِقَوْلِ عَائِشَةَ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَتْرُكُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا مِنْ تَصْلِيبٍ إلَّا فَضَّهُ» رَوَاه أَبُو دَاوُد.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَيُحْتَمَلُ تَحْرِيمُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ نَقْلِ صَالِحٍ، قُلْتُ: وَهُوَ الصَّوَابُ انْتَهَى.
(وَحَرُمَ عَلَى ذَكَرٍ، وَلَوْ كَافِرًا)- لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ، (أَوْ صَبِيًّا)،؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ إلْبَاسُهُ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْبَالِغِ (أَوْ خُنْثَى) تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْحَظْرِ، (لَا أُنْثَى)؛ لِأَنَّهَا مَحَلٌّ لِلزِّينَةِ لِأَجْلِ الزَّوْجِ، (لُبْسُ)- فَاعِلُ حَرُمَ- (مَا كُلُّهُ حَرِيرٌ أَوْ غَالِبُهُ حَرِيرٌ) (ظُهُورًا) كَالْخَالِصِ،؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ مُلْحَقٌ بِالْكُلِّ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ لِحَدِيثِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ، فَإِنَّهُ مَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَلَوْ) كَانَ الْحَرِيرُ (بِطَانَةً) لِعُمُومِ الْخَبَرِ، (وَ) لَوْ (تِكَّةَ) سَرَاوِيلَ (وشرابة)، نَصَّ عَلَيْهِ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ: شِرَابَةٌ (مُفْرَدَةٌ) كَشِرَابَةِ الْبَرِيدِ، وَهُوَ رَسُولُ السُّلْطَانِ، فَإِنَّهُ كَانَ يَتَّخِذُ لَهُ شِرَابَةً لِيُعْرَفَ بِهَا، وَالْمُرَادُ بِالْمُفْرَدَةِ: الْمُخَاطَةُ فِي غَيْرِهَا، وَغَيْرُ الْمُفْرَدَةِ الَّتِي تَكُونُ مِنْ بَقِيَّةِ السُّدَى، وَإِلَيْهَا الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: (لَا تَبَعًا) فَإِنَّهَا كَزِرٍّ فَتُبَاحُ، وَمَا رُوِيَ «أَنَّ عُمَرَ بَعَثَ بِمَا أَعْطَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَخٍ لَهُ مُشْرِكٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ بِلُبْسِهَا. «وَقَدْ بَعَثَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلَى عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأُسَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ إبَاحَةُ لُبْسِهِ».
(وَ) حَرُمَ أَيْضًا عَلَى غَيْرِ أُنْثَى (افْتِرَاشُهُ)، أَيْ: الْحَرِيرِ لَمَا رَوَى حُذَيْفَةُ «أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَهَى أَنْ يُلْبَسَ الْحَرِيرُ وَالدِّيبَاجُ، وَأَنْ يُجْلَسَ عَلَيْهِ» رَوَاه الْبُخَارِيُّ.
وَ(لَا) يَحْرُمُ افْتِرَاشُهُ (تَحْتَ) حَائِلٍ (صَفِيقٍ) فَيَجُوزُ الْجُلُوسُ عَلَى الْحَائِلِ وَحَرُمَ عَلَى غَيْرِ أُنْثَى (اسْتِنَادٌ إلَيْهِ، وَتَوَسُّدُهُ، وَتَعْلِيقُهُ) أَيْ: الْحَرِيرِ، (وَسِتْرٌ جُدِّرَ بِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ) كَبَرْدٍ أَوْ حَكَّةٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ قُمَّلٍ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ: وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ شِرَابَةُ الدَّوَاءِ، وَسِلْكُ الْمِسْبَحَةِ، كَمَا يَفْعَلُهُ جَهَلَةُ الْمُتَعَبِّدَةِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لَهُ أَشْبَهَ لُبْسُهُ (غَيْرَ الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ) زَادَهَا اللَّهُ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا، فَلَا يَحْرُمُ سِتْرُهَا بِالْحَرِيرِ (وِفَاقًا) قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي، وَتَبِعَهُ فِي الْمُبْدِعِ.
(وَ) حَرُمَ أَيْضًا (كِتَابَةُ مَهْرٍ) فِي حَرِيرٍ فِي الْأَقْيَسِ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَتَبِعَهُ فِي الْإِقْنَاعِ وَالْمُنْتَهَى وَقِيلَ: يُكْرَهُ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. (وَمَنْسُوجٌ) مِنْ (مُشَاقَةِ حَرِيرٍ)، وَسَقَطِ حَرِيرٍ، وَمَا يُلْقِيهِ الصَّانِعُ مِنْ فَمِهِ مِنْ تَقْطِيعِ الطَّاقَاتِ إذَا دُقَّ وَغُزِلَ وَنُسِجَ (كَهُوَ)، أَيْ: كَحَرِيرٍ خَالِصٍ، وَإِنْ سُمِّيَ خَزًّا فَيَحْرُمُ عَلَى غَيْرِ أُنْثَى؛ لِأَنَّهُ حَرِيرٌ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: يَحْرُمُ الْحَرِيرُ، وَلَوْ كَانَ مُبْتَذَلًا، بِحَيْثُ يَكُونُ الْقُطْنُ وَالْكَتَّانُ أَعْلَى قِيمَةً مِنْهُ لِلنَّصِّ.
(وَ) حَرُمَ عَلَى غَيْرِ أُنْثَى بِلَا حَاجَةٍ (لُبْسُ مَنْسُوجٍ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ مُمَوَّهٍ بِهِمَا) أَوْ بِأَحَدِهِمَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْخُيَلَاءِ وَكَسْرِ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ، وَتَضْيِيقِ النَّقْدَيْنِ، وكَالْآنِيَةِ.
وَ(لَا) يَحْرُمُ (مُسْتَحِيلٌ)، أَيْ: مُتَغَيِّرٌ (لَوْنُهُ، وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ) بِعَرْضِهِ عَلَى النَّارِ (شَيْءٌ) لِزَوَالِ عِلَّةِ التَّحْرِيمِ.
وَ(لَا) يَحْرُمُ (حَرِيرٌ سَاوَى مَا نُسِجَ مَعَهُ) مِنْ قُطْنٍ، أَوْ كَتَّانٍ أَوْ صُوفٍ أَوْ وَبَرٍ (ظُهُورًا)؛ بِأَنْ كَانَ ظُهُورُهُمَا عَلَى السَّوَاءِ، (وَلَوْ كَانَ) الْحَرِيرُ (أَكْثَرَ وَزْنًا) فَلَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّ الْحَرِيرَ لَيْسَ بِأَغْلَبَ. وَإِذَا انْتَفَى دَلِيلُ الْحُرْمَةِ بَقِيَ أَصْلُ الْإِبَاحَةِ. (وَلَا) يَحْرُمُ (خَزٌّ)، أَيْ: ثَوْبٌ يُسَمَّى الْخَزَّ (وَهُوَ: مَا سُدِّيَ بإبريسم)، أَيْ حَرِيرٍ (وَأُلْحِمَ بِنَحْوِ قُطْنٍ) كَوَبَرٍ (وَصُوفٍ) وَكَتَّانٍ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «إنَّمَا نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الثَّوْبِ الْمُصْمِتِ مِنْ الْحَرِيرِ، أَمَّا السَّدْيُ وَالْعَلَمُ فَلَا نَرَى بِهِ بَأْسًا» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.
قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ وَقُدَمَاءِ الْأَصْحَابِ: إبَاحَةُ الْخَزِّ دُونَ الْمُلْحَمِ وَغَيْرِهِ، وَيُلْبَسُ الْخَزُّ وَلَا يُلْبَسُ الْمُلْحَمُ، وَلَا الدِّيبَاجُ انْتَهَى.
وَالْمُلْحَمُ مَا سُدِّيَ بِغَيْرِ الْحَرِيرِ وَأُلْحِمَ بِهِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ مَا نُسِجَ بِالْحَرِيرِ وَغَيْرِهِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: إحْدَاهَا: أَنْ يُسَدَّى بِالْحَرِيرِ وَغَيْرِهِ، وَيُلْحَمَ كَذَلِكَ. الثَّانِيَةُ: أَنْ يُسَدَّى بِغَيْرِ الْحَرِيرِ وَيُلْحَمَ بِهِ. الثَّالِثَةُ: أَنْ يُسَدَّى بِغَيْرِ الْحَرِيرِ وَيُلْحَمَ بِهِ وَبِغَيْرِهِ. فَهَذِهِ الثَّلَاثُ صُوَرٍ يُعْتَبَرُ فِيهَا أَغْلَبِيَّةُ الظُّهُورِ؛ فَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ ظُهُورَ الْحَرِيرِ حَرُمَ، وَإِلَّا فَلَا. وَأَمَّا الْخَزُّ، فَجَعَلَهُ الْأَصْحَابُ مَسْأَلَةً مُسْتَقِلَّةً بِنَفْسِهَا مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الظُّهُورِ فِيهَا، بَلْ أَطْلَقُوا إبَاحَةَ مَا سُدِّيَ بِالْحَرِيرِ وَأُلْحِمَ بِغَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَ الظُّهُورُ فِيهَا مُعْتَبَرًا لَبَيَّنُوهُ، فَلَمَّا فَصَلُوا مَسْأَلَةَ الْخَزِّ وَأَخَّرُوهَا عَنْ قَيْدِ الظُّهُورِ، عَلِمْنَا أَنَّهُمْ غَيْرُ مُعْتَبِرِينَ هَذَا الْقَيْدَ، وَأَيْضًا: فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي التَّنْصِيصِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، مَعَ مُلَاحَظَةِ هَذَا الْقَيْدِ، فَإِنَّهَا لَمْ تُفِدْنَا شَيْئًا؛ إذْ هِيَ نَسْجُ حَرِيرٍ وَغَيْرِهِ، فَيَكُونُ ذِكْرُهَا بَعْدَ مَا ذَكَرُوهُ أَوَّلًا، تَكْرَارًا بِلَا فَائِدَةٍ، إذْ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمَا مَعْنًى، وَلَا حُكْمًا مَعَ اعْتِنَائِهِمْ بِالِاخْتِصَارِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ حَذَفُوا مَسْأَلَةَ الْمُلْحَمِ لِمَا شَمِلَته الْعِبَارَةُ الْأُولَى، وَهَذَا ظَاهِرٌ لِمَنْ تَأَمَّلَ بِالْإِنْصَافِ، فَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ مَا يَصْنَعُهُ أَهْلُ الشَّامِ وَغَيْرُهُمْ الْآنَ مِنْ الْبُرُودِ الَّتِي يُسَمُّونَهَا بِالْقُطْنِيِّ والكرمسون وَالْأَطَالِيسِ وَنَحْوِهَا يَسُدُّونَهَا بِالْحَرِيرِ وَيُلْحِمُونَهَا بِنَحْوِ الْقُطْنِ، لَكِنْ يَكُونُ الظُّهُورُ لِلْحَرِيرِ دُونَ غَيْرِهِ مُبَاحٌ عَلَى الْمَذْهَبِ (وَلَا) يَحْرُمُ (خَالِصٌ) مِنْ حَرِيرٍ (لِمَرَضٍ أَوْ حِكَّةٍ وَلَوْ لَمْ يُؤَثِّرْ) لُبْسُهُ (فِي زَوَالِهَا) لِحَدِيثِ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ فِي قَمِيصِ الْحَرِيرِ فِي سَفْرٍ مِنْ حَكَّةٍ كَانَتْ بِهِمَا»وَمَا ثَبَتَ فِي حَقِّ صَحَابِيٍّ، ثَبَتَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِهِ. (أَوْ قُمَّلٍ) لِمَا رَوَى أَنَسٌ «أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرَ شَكَيَا إلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْقَمْلَ، فَرَخَّصَ لَهُمَا فِي ثِيَابِ الْحَرِيرِ، فَرَأَيْتُهُ عَلَيْهِمَا فِي غَزَاةٍ» رَوَاه الْبُخَارِيُّ. (أَوْ حَرْبٍ مُبَاحٍ، وَلَوْ فِي غَيْرِ حَالَةِ قِتَالٍ) وَكَذَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ عَلَى أَرْجَحِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمَذْهَبِ، صَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْمُنْتَخَبِ وَإدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ لُبْسِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخُيَلَاءِ، وَهُوَ غَيْرُ مَذْمُومٍ فِي الْحَرْبِ. (وَلَا) يَحْرُمُ (الْكُلُّ) وَهُوَ مَا فِيهِ صُورَةٌ، وَالْحَرِيرُ وَالْمَنْسُوجُ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ (لِحَاجَةٍ) بِأَنْ عَدِمَ غَيْرَهُ.
قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: إذَا احْتَاجَ إلَى لُبْسِ الْحَرِيرِ لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ تَحَصُّنٍ مِنْ عَدُوٍّ وَنَحْوِهِ أُبِيحَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: يَجُوزُ مِثْلُ ذَلِكَ، مِنْ الذَّهَبِ، (كَدِرْعٍ مُمَوَّهٍ) بِهِ (اُحْتِيجَ لِلُبْسِهِ وَمَا حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ مِنْ حَرِيرِ كُلِّهِ) أَوْ غَالِبِهِ (وَمُذَهَّبٍ) وَمُفَضَّضٍ مَنْسُوجٍ أَوْ مُمَوَّهٍ (وَمُصَوَّرٍ حَرُمَ بَيْعُهُ وَنَسْجُهُ وَخِيَاطَتُهُ وَتَمْلِيكُهُ وَتَمَلُّكُهُ وَأُجْرَتُهُ وَالْأَمْرُ بِهِ) لِذَلِكَ الِاسْتِعْمَالِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمُ وَالْعُدْوَانِ} وَلِأَنَّ الْوَسَائِلَ لَهَا حُكْمُ الْمَقَاصِدِ، فَإِنْ بَاعَهُ أَوْ نَسَجَهُ أَوْ خَاطَهُ أَوْ مَلَكَهُ أَوْ تَمَلَّكَهُ لِتِجَارَةٍ أَوْ كِرَاءٍ لِمَنْ يُبَاحُ لَهُ: فَلَا يَحْرُمُ. (وَيَتَّجِهُ بُطْلَانُ عَقْدِ) مَا بِيعَ وَنَحْوِهِ لِمَنْ لَا يُبَاحُ لَهُ لِلنَّهْيِ عَنْهُ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَكُرِهَ نَظَرُ مُلَابِسُ حَرِيرٍ وَآنِيَةِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ إنْ رَغَّبَهُ النَّظَرُ إلَيْهَا (فِي التَّزَيُّنِ بِهَا وَالْمَفَاخِر) ذُكِرَ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا.
(وَ) كُرِهَ (التَّنَعُّمُ)؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْإِرْفَاهِ. (وَيُبَاحُ مِنْ حَرِيرٍ كَيْسُ مُصْحَفٍ) تَعْظِيمًا لَهُ، وَلِأَنَّهُ يَسِيرٌ. (وَيُبَاحُ) أَيْضًا (أَزْرَارٌ وَخِيَاطَةٌ بِهِ) أَيْ: الْحَرِيرِ.
(وَ) يُبَاحُ أَيْضًا مِنْ حَرِيرٍ: (حَشْوُ جياب وَفُرُشٍ)؛ لِأَنَّهُ لَا فَخْرَ فِيهِ، وَلَا عَجَبَ، وَلَا خُيَلَاءَ، وَلَيْسَ لُبْسًا لَهُ، وَلَا افْتِرَاشًا.
(وَ) يُبَاحُ أَيْضًا مِنْ حَرِيرٍ (عَلَمُ ثَوْبٍ وَهُوَ طِرَازُهُ) كَالْحَاشِيَةِ الَّتِي تُنْسَجُ مِنْ حَرِيرٍ فِي طَرَفِ الثَّوْبِ، بِشَرْطِ أَنْ لَا تَزِيدَ عَلَى أَرْبَعِ أَصَابِعَ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَتَقَدَّمَ.
(وَ) يُبَاحُ مِنْ حَرِيرٍ أَيْضًا (لَبِنَةُ جَيْبٍ، وَهِيَ: الزِّيقُ) الْمِخْيَطُ بِالْعُنُقِ. (وَالْجَيْبُ: مَا يُفْتَحُ عَلَى نَحْرٍ، أَوْ طَوْقٌ) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى مَا قَالَ فِي الْقَامُوسِ. وَجَيْبُ الْقَمِيصِ وَنَحْوُهُ: بِالْفَتْحِ طَوْقُهُ. وَفَسَّرَ صَاحِبُ الْمِصْبَاحِ: بِمَا انْفَتَحَ عَلَى النَّحْرِ.
(وَ) يُبَاحُ مِنْ حَرِيرٍ أَيْضًا (رِقَاعٌ وَسَجَفٌ نَحْوُ فِرَاءٍ) وَنَحْوِهَا قَدْرَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ فَمَا دُونُ. (وَلَا) يُبَاحُ (مِنْ ذَلِكَ فَوْقَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ مَضْمُومَةٍ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «نَهَى النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ الْحَرِيرِ إلَّا مَوْضِعَ إصْبَعَيْنِ، أَوْ ثَلَاثٍ، أَوْ أَرْبَعٍ» رَوَاه مُسْلِمٌ. (وَلَوْ لَبِسَ ثِيَابًا بِكُلِّ ثَوْبٍ قَدْرٌ يَحِلُّ) مِنْ سَجَفٍ، أَوْ رِقَاعٍ وَنَحْوِهَا، (وَلَوْ جَمَعَ) مَا فِيهَا مِنْ الْحَرِيرِ (صَارَ ثَوْبًا؛ لَمْ يُكْرَهْ) ذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلَّ ثَوْبٍ يُعْتَبَرُ بِنَفْسِهِ غَيْرَ تَابِعٍ. هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الجراعي فِي الْغَايَةِ: يُبَاح، وَإِنْ كَانَ مَذْهَبًا. وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَحَفِيدُهُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ، وَلِأَنَّهُ يَسِيرٌ أَشْبَهَ الْحَرِيرَ (وَالْإِسْرَافُ فِي الْمُبَاحِ مَكْرُوهٌ) لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِيهِ.
(وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (وَالْإِسْرَافُ هُوَ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ وَهُوَ مِنْ الْعُدْوَانِ الْمُحَرَّمِ)، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُسْرِفُوا إنَّهُ لَا يُحِبُ الْمُسْرِفِينَ} وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: الْكَرَاهَةُ.